مطلع الشهر الأول من العام المقبل، سينتهي رسمياً تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2642 الذي نص على إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى لمدة 6 أشهر، وتسود حالة من الترقب والخوف بين السوريين من تداعيات فشل مجلس الأمن مجدّداً في تجديد القرار أو إيجاد آلية بديلة لإدخال المساعدات بعيداً عن الابتزاز الروسي.

تتمثّل المخاوف الحقيقية من تداعيات عدم تجديد القرار في مجلس الأمن وتوقف وكالات الأمم المتحدة عن تقديم الخدمات الإنسانية في الشمال السوري؛ بمجاعة متوقعة الحدوث وأزمة إنسانية كبيرة على الصعيدين الغذائي والطبي، حيث تعتمد الأسر المستفيدة على السلة الغذائية الشهرية كداعم رئيسي للاستمرار بالحياة في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها السوريون منذ أكثر من أحد عشر عاماً.

ويعد معبر باب الهوى آخر نقطة وصول تُقدّم عبرها الأمم المتحدة المساعدات الإنسانية لملايين السوريين في مناطق شمال غربي سوريا، كما يمثل شريان الحياة الوحيد المتبقي للسوريين المستفيدين من المساعدات في تلك المناطق.

وفي حال فشل الأمم المتحدة في تحقيق تقدم بالإبقاء على المساعدات؛ سنكون على أبواب كارثة إنسانية وفصل جديد من معاناة الشعب السوري، خاصة في وقت يحاول فيه نظام الأسد تسييس الملف الإنساني معرقلاً وصول المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وهنا لا بد من طرح السؤال الذي يراود عموم السوريين دوماً؛ ألا يستطيع المجتمع الدولي إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمالي سوريا دون العودة إلى مجلس الأمن؟ وهل هو عاجز حقاً عن تجاوز الفيتو الروسي؟

على الصعيد الدولي، هناك حديث حول وجود آليات بديلة قد تعتمدها الدول لإدخال المساعدات الإنسانية بعيداً عن الابتزاز الروسي في مجلس الأمن مطلع العام المقبل، في حال عدم تجديد القرار، ونعتقد أنه بالرغم من جدية هذا الطرح وقدرته على إنقاذ السوريين بشكل جزئي من أي خطر محتمل قد تتسبب به روسيا من جديد؛ إلا أنه لا يتناسب مع احتياج عموم المستفيدين في الحالة السورية، لأنّ المساعدات المقدمة خارج الإطار الأممي لن تكون بجودة آليات عمل برامج الأمم المتحدة خصوصاً في المجالات الحساسة والأكثر إلحاحاً كاللقاحات والمساعدات الطبية الشهرية، لذلك أكّدنا دوماً على ضرورة الضغط على المجتمع الدولي بكل الوسائل المتاحة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري دون الحاجة لقرار من مجلس الأمن الدولي، على أن يستمر ذلك عبر الأمم المتحدة وبرامجها حصراً.

أما عن روسيا، الدولة المتحكمة بالقرار السوري في مجلس الأمن مستخدمة حق النقض بذريعة انتهاك السيادة السورية، فتدعو لعودة إدخال المساعدات الإنسانية عبر استخدام المعابر الواقعة تحت سيطرة النظام وتوزيعها عبر حكومته حصراً، ساعية من خلال هذا الطرح إلى محاولة إنعاش اقتصاد نظام الأسد لتعزيز موقفه السياسي على طاولة المفاوضات المتجمدة أساساً، ومن ثم تمرير أجندتها الخاصة بإعادة تدوير وتأهيل نظام الأسد دولياً من جديد، وفتح الباب أمام تمويل إعادة إعمار سوريا مما سيُرسخ نظام الأسد في السلطة أكثر ويزيد من معاناة السوريين.

تشترك أهداف روسيا مع أهداف النظام في حصر إدخال المساعدات عن طريق المعابر التي يسيطر عليها وحده، ومنع دخولها عبر المعابر الخارجة عن سيطرته، ولتحقيق ذلك وضع آلية تمكّنه من تحويل المساعدات الإنسانية إلى وسيلة لتمويل أعماله الإرهابية ضد المدنيين ومكافأة شركائه، حيث قيّدت حكومته وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحتاجة بينما أعطت موافقات انتقائية على مشاريع إغاثية معينة فارضةً شروطاً تحتم عليها مشاركة شخصيات محسوبة على الأفرع الأمنية ممن ارتكبت انتهاكات وجرائم ضد السوريين.

وقد استطاعت الكثير من الشبكات الحقوقية توثيق استخدام النظام للمساعدات الإنسانية الموجهة للمدنيين في أغراض عسكرية أو بيع المساعدات في السوق السوداء داخل دمشق عبر وكالات محلية محسوبة على النظام الأسد وشركائه، وهذا الانتهاك يتجاوز كونه استغلالاً لحاجة المدنيين ليصنف على أنه جريمة ضد الإنسانية.

أخيراً، يبقى المجتمع الدولي ملزماً بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه الشعب السوري ومنها تقديم المساعدات إلى المدنيين المحتاجين في جميع المناطق السورية دون استثناء، وبغض النظر عن تجديد القرار في مجلس الأمن الدولي من عدمه، وبصرف النظر عن المعطيات التي يتم تناولها باستمرار في السياسة الدولية تجاه سوريا بصورة عامة، فالمجتمع الدولي قادر بالتأكيد على الاستمرار في تقديم الخدمة الإنسانية لملايين السوريين بعيداً عن الفيتو الروسي المنتظر، وعليه ألا يتنصل من مسؤولياته الإنسانية في هذا الإطار.

المصدر: Syria.tv