فجر يوم الإثنين، 6 شباط 2023، الساعة 04:17، لم يكن توقيتاً عادياً ولا دقات عقاربٍ نمطية، توقف الزمن مع اهتزاز وتساقط كل شيء، زلزال بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر يضرب منطقة جنوب تركيا وشمال غرب سوريا، ليكون الأقوى في التاريخ الحديث، والذي تسبب في خسائر بشرية ومادية هائلة.
خلّف الزلزال مأساة إنسانية كبيرة، حيث بلغ عدد الضحايا أكثر من 50 ألف شخص، من بينهم 4,500 شخص في شمال غرب سوريا، حسب إحصائيات الدفاع المدني السوري، كما أصيب أكثر من 10,400 شخص، وتشردت 40 ألف عائلة بعد انهيار منازلهم أو تصدعها.
امتد تأثير الزلزال ليشمل دماراً هائلاً للبنية التحتية، حيث تضررت الطرق والمحال التجارية وشبكات الكهرباء والمياه بشكل كبير، مما أدى إلى تعطيل الخدمات العامة، وصعوبة وصول فرق الإنقاذ إلى العالقين تحت الأنقاض. كما واجه الناجون صعوبات كبيرة في الحصول على المساعدة الإنسانية العاجلة، وتضررت مئات المدارس والمشافي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وجعل من الصعب على السكان العودة إلى حياتهم الطبيعية.
أما عن الآثار النفسية العميقة على الناجين، فما زال الكثيرون يعانون من مشاعر الصدمة والرعب، ويعاني البعض الآخر من اضطرابات ما بعد الصدمة، مما يضع عبئاً إضافياً على كاهل المجتمع السوري المثقل بالأزمات منذ أكثر من إثني عشر عاماً.
يتحدث مدير مكتب المنتدى السوري في سرمدا، محمد عقيل قناص، عن الزلزال فيقول: " لا يخفى عن أحد كيف أثرت كارثة الزلزال بشكل عميق على مختلف جوانب الحياة في شمال غرب سوريا، مخلفةً آثاراً اجتماعية واقتصادية ونفسية جسيمة على شريحة واسعة من السكان، والتي قد تستغرق سنوات عديدة للتعافي، أما عن الاستجابة المحلية فعلى الرغم من ضعف إمكاناتها ومحدودية مواردها المالية والإغاثية، سارعت المنظمات المحلية في سوريا وتركيا إلى تقديم المساعدة للمنكوبين، وعاش أفراد طواقمها الميدانية المأساة بصورة مباشرة، مما زاد من صعوبة العمل، لكنهم واصلوا جهودهم بكل عزيمة وبشكل متواصل".
في ظل تلك الظروف الكارثية، كانت الحاجة إلى استجابة دولية عاجلة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، لكن بطء الاستجابة الدولية أعاد نفسه كما في كل مرّة ليجعل العبء الأكبر على المنظمات الإغاثية المحلية ومنظمات المجتمع المدني السورية، التي أطلقت عدّة حملات إغاثية واسعة النطاق لمساعدة المتضررين من الزلزال، وقد تضمنت إجلاء العالقين تحت الأنقاض، وتقديم مساعدات إنسانية طارئة مثل الغذاء والمأوى والمياه والأدوية، كما شملت جهوداً لإعادة الإعمار، مثل ترميم المباني السكنية والمدارس والمستشفيات والمرافق العامة، وقد ساهمت هذه الجهود الإغاثية في تخفيف معاناة المتضررين من الزلزال، لكنها لم تكن كافية لمعالجة الأضرار الهائلة التي لحقت بالمنطقة.
يضيف قناص: " تأخرت المنظمات الدولية عن المشهد السوري خلال الزلزال، حيث دخلت أولى سيارات المساعدات بعد اليوم السادس من الكارثة، بالرغم من الحاجة المُلحة للتدخل الفوري في الساعات الأولى لإنقاذ الأرواح بشكل عاجل".
في 25 مارس 2023 أعلن كلاً من المنتدى السوري والدفاع المدني السوري والجمعية الطبية السورية الأمريكية سامز، عن تشكيل التحالف العملياتي المشترك بهدف تنسيق الجهود وتضافرها بين المؤسسات الثلاث، لتحسين الظروف المعيشية للسكان في شمال غربي سوريا من خلال تقديم خدمات تكاملية، والمساهمة في إعادة تأهيل المرافق الحيوية لتقديم الخدمات الأساسية للمدنيين.
عمل التحالف خلال العام الفائت على ترميم 30 مدرسة متضررة من الزلزال ضمن إجمالي 41 مدرسة تم ترميمها من قبل فِرق المنتدى السوري، بالإضافة إلى ترميم وتأهيل مدرّج جامعة غازي عنتاب في عفرين، وتأهيل ورصف طرقات بطول 5 كم، بالإضافة إلى تأهيل سوق الهال في عفرين والذي يضم أكثر من 100 محل تجاري.
وعلى صعيدٍ آخر، ,بالرغم من تضرر العديد من كوادر المنتدى السوري بشكل شخصي، إما بفقدان ذويهم أو ممتلكاتهم، عملت فرقنا على تجهيز مراكز إيواء بالخدمات المتكاملة في مناطق الدانا وسلقين وجنديرس وعفرين وغيرها، لتصل كوادرنا إلى أكثر من 150,000 مستفيد/ة من خلال تقديم أكثر من 3,981,000 خدمة في القطاعات المختلفة.المختلفة.
شكّل إعادة تأهيل المنازل والمدارس في شمال غرب سوريا تحدّياً كبيراً تطلب عملاً دؤوباً وسباقاً مع الزمن، حيث هَدَف هذا الجهد الحثيث إلى إنقاذ جيلٍ كاملٍ من مخاطر الجهل والأمية، وإعادة بعض الأمل والبريق إلى حياة السوريين الذين اضطروا لترك بيوتهم من جديد، فمع وجود آلاف العائلات التي عاشت ظروفاً صعبة خارج منازلها، ازداد خطر التشرّد، بينما واجه عشرات الآلاف من الطلاب خطر التسرب المدرسي.
لذا فقد عملت فرقنا على توفير المواد العاجلة والمستلزمات الضرورية للعيش، مع التركيز على ترميم المنازل المتضررة، وتوفير بيئة تعليمية آمنة وملائمة للطلاب، مع العمل على تأهيل البنى التحتية من شبكات مياه وصرف صحي وطرقات وغيرها، والتي تُعد من الأضرار غير المرئية ولم يتم العمل على أي تقارير شاملة تخص هذه الجوانب رغم أهميتها الكبيرة.
خلال استجابة الزلزال؛ كان توفير المستلزمات الأساسية للعيش ضرورةً مُلحةً لإنقاذ الأرواح وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية في أعقاب الزلزال المدمر، حيث عملت فرقنا منذ اللحظات الأولى على توفير الخيم والمدافئ ومواد التدفئة والسلل الشتوية التي كانت تُعدّ من أهمّ الاحتياجات لحماية الناجين من مخاطر انخفاض درجة حرارة الجسم وما يرافقها من أمراض ناجمة عن البرد الشديد.
لم يقتصر دور فريق المنتدى السوري على الاستجابة العاجلة داخل سوريا فقط، بل امتد نطاق عمله ليشمل الولايات التركية المتضررة من الزلزال، حيث تم توزيع أكثر من 4,500 وجبة غذائية جاهزة، وما يزيد عن 4,500 سلة نظافة ومواد تعقيم، بالإضافة إلى توزيع 2,958 قسيمة نقدية متعددة الاستخدام لتوفير الاحتياجات الأساسية للمتضررين وتخفيف معاناتهم.
في ختام هذا السرد المؤلم لتداولات يوم 6 شباط 2023 ، يظهر أمامنا لوحة إنسانية مأساوية للحظات لا يمكن نسيانها في تاريخ الإنسانية، زلزال بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر هزّ أرضاً لم يكن لها حظّ في الهدوء لعقدٍ مضى، مخلّفاً وراءه آثاراً وخسائر لا تعد ولا تحصى، لكننا نرى أيضاً في هذه اللحظات الصعبة قوة الإرادة الإنسانية والتضامن الذي برز في استجابة الجهات المحلية والمنظمات الإنسانية العاملة التي تألقت رغم قلة الموارد والتحديات الكبيرة، لكنها قدمت استجابة فورية وفعّالة، ساهمت في تخفيف معاناة الناجين وتوفير الدعم الأساسي لهم.
وعلى الصعيدين المحلي والدولي، يجب علينا أن نعترف بأهمية الاستثمار في استعادة هيكلية المناطق المتضررة لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها وتحسين جودة الحياة للسكان من خلال إعادة بناء المنازل والبنية التحتية المتضررة، وإصلاح أنظمة المياه والصرف الصحي والكهرباء، وتوفير خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وتحسين فرص العمل والدخل، مع تسليط الضوء على أهمية العمل المشترك للمنظمات الإغاثية لما له دور هام في استخدام الموارد بكفاءة عالية وتقديم مساعدات متكاملة وشاملة تلبي احتياجات جميع المتضررين بما يساهم في تخفيف معاناتهم والعمل لغد أفضل.